top of page
WhatsApp%20Image%202020-03-01%20at%2011.

عن المؤلف

ولد الدكتور منهل سيرت عام  1956 في مدينة الموصل/ العراق، وأقام في السويد منذ سنة 1991. حصل على البكالوريوس في علوم الأرض من جامعة الموصل 1977  والماجستير في الجيولوجيا التركيبية من جامعة بغداد عام 1982 . أُعتقل بعد ذلك ثم حُكم عليه بالسجن المؤبد من قبل محكمة الثورة حيثُ سُجن في قسم الأحكام الخاصّة للسياسيين في سجن أبو غريب ثُمّ أُطلق سراحه بعد صدور عفو عام مشروط في 1986 بعد أن أمضى 45 شهراً في السجن.

غادرالعراق بعد حرب عاصفة الصحراء ولجأ للسويد، حيثُ حصلَ على شهادة الدكتوراه في علوم الأرض من جامعة أوپسالا العريقة وبعد نيل شهادة الدكتوراه عمل د. منهل سيرت في جامعات عديدة في السويد وأميركا والأردن والمانيا وفي أبو ظبي. كما عمل بعد ذلك كخبير نفطي في شركة شلمبرجر العالمية وشركة أدكو، وهي شركة الأعمال البريّة لأبو ظبي.

عاد للعمل في السويد في شركة ڤاتّنفال للطاقة البديلة، ويعمل الآن أستاذا في جامعة نزارباييڤ في كازخستان، وكخبير جيولوجي ومستشار في شؤون الطاقة والطاقة البديلة. له ثلاثة كتب علمية منشورة، وأكثر من 45 بحثاً علمياً منشوراً في المجلات العلمية المتخصصة.

في الفن والأدب المُعاصر، فهذا هو كتابه الأول، وله كتاب شعري آخر بإنتظار النشر. له عدة مقالات في الأدب والسياسة نُشرت على مواقع التواصل الإجتماعي المُختلفة. تُرجمت فصول من كتابه هذا للإنگليزيّة ونشرت في كانون ثاني 2020 في المجلّة الدورية الأميريكية "بروكلين ريل".

 أقام أكثر من معرض فنّي للرسم في مدينة أوپسالا وإقتنيت إحدى لوحاته الفنيّة  للمكتبة العامة في مدينة أوپسالا.

رابط مهنة الجيولوجيا

غلاف الكتاب٢.png

 عن كتاب طائِر تِشرينْ 

 

صدر كتاب "طائِر تِشرينْ - من أبو غريب إلى المنفى" عن دار نشر أپيك في سبونگا ـ  ستوكهولم/السويد بأول  طبعة في أوكتوبر 2019 والطبعة الثانية الألكترونية في أيار 2020 للمؤلف د. منهل سيرت. والكتاب هو سيرة ذاتيّة كُتِبَ بإسلوب أدبي شاعري ومتفرّد حيثُ يُمثل الكتاب رواية فترتين مهمتين من حياة المؤلف وهما فترتان متوازيتان في مضمونهما الإنساني والسياسي.

الفترة الأولى كانت في سجون العراق؛ السجن الصغير في أبوغريب والتي إستمرت 45 شهراً (آب 1982 ولغاية أيّار 1986)، والسجن الأكبر في العراق كُلُه والتي إستمرت خمس سنوات وإنتهت بمغادرة المؤلف للعراق بشكل نهائي في تمّوز1991.

أمّا الفترة الثانية (أيلول 1991 ـ أيلول 1993) فقد كانت في المنفى السويدي حيثُ رُفضَ طلب لجوئه السياسي في دولة كانت تٌمثّل إحدى أفضل الدول الأورپية في صون حقوق الإنسان المُضطهد سياسيا في بلده الأم.

ضمن هاتين الحياتين والتداخل فيما بينهما إستعرض د.سيرت أهم لحظات حياته في السجن والمنفى مع التركيز على المواقف الإنسانية والسياسيّة في فواصل هامّة من الأحداث لاسيّما في العراق وذلك من منظور مُراقب موضوعي إنغمس لحد الموت في هذه الأحداث وبذلك صار شاهداً صادقاً وناقلاً دقيقاً لها.

يستعرض الكتاب سنوات السجن في أبو غريب والتي كانت في ثلاثة فترات:

 

 اولاً: فترة ألإعتقال والتحقيق والتي دامت تقريباً سنة كاملة  تنقل فيها في مواقف الأمن والإستخبارات العديدة في بغداد لغرض التحقيق، وصولاً إلى محكمة الثورة حيثُ تمّ الحكم عليه بالسجن المؤبد في الثالث من آب 1983.

 ثانياً: فترة السجن في قسم الأحكام الخاصّة والتي دامت حوالي 16 شهراً حيثُ مكث مع رفاق السجن في زنزانات بمُعزل عن العالم والحياة والشمس وبدون مقابلة الأهل والأصدقاء وبدون القراءة أو الكتابة أو حتى حديث سوى الهمس.

ثالثاً: فترة السجن في قسم الأحكام الخاصّة أيضاً والتي دامت 17 شهراً كمساجين كان يُسمح لهم بمقابلة الأهل والأصدقاء مرّة واحدة كل 3 أسابيع، وكان يُسمح لهم بالقراءة والكتابة (تحت المراقبة الشديدة من أفراد الأمن)، والتي إستمرت حتى إطلاق سراحه في أيّار 1986 بعفو عام مشروط وذلك لحاجة العراق لمقاتلين في حربه مع إيران.

كما يستعرض الكتاب بشكلٍ موازٍ السنتين الأوليتين (1991-1993) للمؤلف كلاجيء في السويد لغاية حصوله على العمل، حيثُ يطرح بأسلوب أدبي مؤثّر المصاعب النفسية والحياتية في بلاد يطبع البرد علاقات المجتمع الجديد مع اللاجئين، الذين دأب معظمهم للحصول على الإحترام والإنتماء في بلد صار وطناً بديلاً لهم كما يُفترض سيّما وقد حرق مُعظمهم مراكب العودة لوطنهم الأم.

يقع الكتاب في 225 ورقة من حجم  أي 5 ويتضمن 36 فصلاً مقسومة بين السويد والعراق على التوالي. لغة الكتاب العربية والسرد فيها مُركّز ومباشر ويُظهر مواقف الإنسان بشكل عام بدون بطولات زائفة وحيثُ تكون البطولة الوحيدة إن صح التعبير هي في الصمود دون التلوّث. تبدأ كل فصول الكتاب بأبيات شعرية كتبتُ مُعظمها في فترة السجن الثالثة أو من إقتباسات لشعراء عرب وعالميين، تكوّن مدخلاً لموضوع الفصل. تمت ترجمة فصولا من الكتاب للإنگليزية ونُشرت في مجلة  بروكلين ريل الدورية في نيويورك في عددها الصادر في يناير 2020 .

الهدف من نشر الكتاب هو مشاركة القاريء أولاً لتلك الظروف التي عاشها المؤلف والتي كانت تُمَثّل مفاصل مهمّة من تأريخ العراق، والتي تأسس عليها وإستمرّ بعدها إنحطاط العراق بكل مآسيه المُستمرة لغاية اليوم. وثانياً لتقديم تجربته المُعاشة كلاجيء كان ممنوعاً عن العمل والدراسة لحين الحصول على الإقامة الدائمة، مع إستعراض مصاعب العيش كلاجيء في الوطن البديل وصراعه للتأقلم في محيط غريب.

 

تعليقات القراء

 

كتاب اكثر من رائع بكل محتواه واخراجه وسياقات كتابته والمعاني من وراء سطوره وتجسيده للتاريخ المظلم لعراق النكبات وعراق صدام ،ومعاناة البسطاء والحكماء في ظل بطشه وغروره. لقد فهمت من بين السطور شخصيتك والتي تتسم بانسانية مفرطة واصرار فولاذي وتمرد على واقع قاسي لم يجرأ كثيرون على الوقوف بوجهه . شرحك بالتفصيل عن الثمن الذي دفعته وللحظات تقييمك لمواقفك وعنادك الذي اوصلك لتلك الهاوية كان دقيقا ومنصفا وبعيدا عن التبجح بالبطولة.

علما ان كتابة قصة معاناتك هي بحد ذاتها بطولة وانجاز باهر عاشت ايدك الف مرة واتمنى ان يكون لوقع هذا المنجز اثر ايجابي وان يكون قد ساهم على ازالة وقع تراكمات تلك الايام القاتمة .

- Dr. Nazik Najjar


أقرأ في طائر تشرين ووجدت نفسي مشدودا اليه جدا عاشت ايدك لم اكن اتصور ان يكون بهذا الرونق .. هو ليس ذكريات ولا مذكرات ولا سرد احداث. كتاب تختلط فيه الرؤية والقناعات والافكار والذكريات .. عاشت ايدك على هذه المسبوكة الرائعة.
د. قحطان صديق

... قرأت الرواية وقد عايشت ( البطل او الراوي ) بكل احداثها ورافقته في اقبية التحقيق وفي محكمة الثورة سيئه الصيت والسجن وقاعة رقم ٢ .. كنت احس بالألم المرافق في هذه الاماكن .. كانت الانتقالات من السجن الى المنفى الاختياري تمنح بعض التفائل والفرح .. في الفصول الاولى كنت أريد الاسراع في القراءة، كنت اريد ان اعرف متى التحرر من هذا السجن الكابوس.

المتميز في هذه الرواية ان الراوي كان انسان عادي صادق المشاعر يتألم لاذى الاخرين يبكي ويفرح ويخاف من المجهول .. لم يظهر بالانسان البطل الخارق الذي كله ايجابيات مثل الكثير من كتاب السيرة الذاتيه كان انسان عادي جدا. وانا اقرأ كانت مشاعري تتناوب بين الحزن والفرح في كل فصل اقرأه .  هذه الرواية وثيقة أدانه لنظام صدام الاجرامي .
كان وصف الطبيعه في شمال العراق والموصل كذلك في السويد وصف رائع وانت تنتقل من ربيع الموصل الى ثلج السويد . اشعارك في بدايات بعض الفصول تثير الفضول هل يوجد المزيد ، هل بالامكان نشرها في ديوان منفصل. ( مقترح ). هل كان بالامكان نشر الرسوم التي كنت ترسمها موثقة الاحداث ( مثلا رسم ياكوب البحار او تخطيطات من السجن ).
الرواية تتسم بالعلمية وخاصة تعاريف الامكنة واسماء الاشخاص من شعراء وكتاب وكانت الهوامش مفيدة جداً.
سلمان العاني

"(الحالمون يحبون الشتاء القاسي ) وانا حالم مزمن بيد ان احلامي كانت تتهاوى كبيوت من رمال، وحين يشٌتد المطر ويطرق صوته الطرقات والشبابيك فقد كان يطرق اجراس الماضي الذي يتوارى بمخاتلة خبيثة ليظهر حيا على اشكال عدة ووجوه الاحبة تمر سريعا كالماء الذي يجري هادرا في المزاريب والمنحدرات فتقلب اوجاعا كثيرة."
"...  في هذا الزمن المشبع بالقسوة والبطش السؤال عن الاسم والمنبت كانا المدخل للحديث في هذا المكان اجبت بأاسمي وذكرت الموصل محل ولادتي فساد صمت رهيب لم اكن اتخيل بأنني الموصلي الوحيد في هذه الزنزانة حيث كان غالبية الموقوفين من مناطق جنوب العراق والبعض الاخر كان من مناطق الكاظمية والشعلة والثورة، عرفت ذلك بعد ايام من التوجس والريبة والاجابات القصيرة لتساؤلاتي حيث جاء دعاء كُميل وردود افعالنا لتعلن تشابهنا وانتمائنا الانساني الموحد في لحظات الضعف والمحن، صرت ارى في وجوههم تعاطفا واكبارا لدموعي الغزيرة، ولم افهم بعد كيف يمكن ان توحد الرجال هذه الدموع."
مقطعين من رواية الدكتور منهل النائب وهي رواية طائر تشرين او من ابوغريب الى المنفى وهي رواية تسجيلية صادقة بريشة فنان موهوب حيث جاءت بمواصفات نثرية محملة بالالام والدموع، فلا يمكنك ان تحجر على دموعك التي تتمرد، رغم ان الرواية تحسب على السرد الذاتي لكنها ناقشت قضايا انسانية عامة مثل اليتم والسجن والمنافي والاغتراب، جاءت صادقة لكون الكاتب قد كتبها بقلبة ووجعه وليس عن حكايا وتاليف، وقد كتبها بلونين من الادب وهما السرد الروائي التسجيلي والشعر وقد ترك لموهبته الفنية في بناء معمار روايته فهي في بداية كل مقطع هنالك قصيدة شعر وقد توزعت الى ١٩ قصيدة للمؤلف و١٧ لقصائد شعراء اخرين وكذلك تم بناؤها مقطع داخل سجن ابوغريب والمقطع التالي مقطع في المنفى او السويد حتى نصل الى المقطع ال٢٩ حيث استبدل السجن بالمعسكرات والجيش وهي توحي بالظلال والضوء ليعطي للقاري انتقالة سلسلة ممتعة بالمتابعة، بطل الرواية طموح جدا لكنه عاني كثيرا من الخيبات وفقدان المصداقية حيث واجه نظام دكتاتوري بمنتهى الفطرة والامكانيات المتواضعة ودفع ثمنا باهضا، وكذلك في بلد الاغتراب فهو نموذج للانسان المضطهد والذي يحمل العديد من الوثائق التي تجعلة ينال الحقوق في بلد الغربه بدون اي تساؤل او تحقيقات لكنها يستهان بها من قبل بلد اللجوء ليدفع اثمانها طويلا .. قراءة على عجالة لرواية الكاتب منهل النائب. 
المهندس أمين أمين

كتاب رائع و وصف معبر و مشوق و مؤلم في نفس الوقت .. عاشت الانامل التي كتبت و ابدعت.
المهندس وسام حمودات

ما نُشر على الموقع من مقتطفات رائعة جدا وحزينة. برأيي المتواضع فان الكتاب رائع ... سيرة ذاتية ووصف لحقبة زمنية غابرة ...
د. احمد الهيتي

اليوم اردت البدء بقراءة شئ منه، سرق الكتاب مني اعصابي واحاسيسي ومشاعري وسرق مني اشياء لا اعرف وصفها وتسميتها!
اين كنا نحن والغالبية ترى وتسمع وتعلم .. هل كنا مجرمين ومساهمين ام كنا مغيبين وبالعمل نائمين .. وهل نفس الواقع الان موجود والالاف .. الاف الاسرى والمعتقلين يعذبون ونحن لازلنا مغيبين؟
د. نبيل مجيد

انا بدأت بقرائته مشغوفاً و متأثرا من الصفحةِ الاولى. سلاماً على اوجاعهم و إحتراماً لاحلامكم 
عباس الجنابي

"... من شباك في سندسفال وصورة ابي الشاحب والصورة الاخيرة لأبي تتماشى مع منظر التل الثلجي الذي يسد الافق .
...ماذا يعمل ابوك ؟ اطأطيء برأسي ... متحاشيا نظرة اشفاق معلمي ."
تركت مرحلة اليُتم المبكر جرحا عميقا جدا لدى الكاتب فهو يرفض ان يغادرها لانها وأدت اجمل الاحلام والحنان والرعاية والكنف مماجعله يميل الى انشاء عالمه الثري الخاص به فهو حالم يعشق الاهتمام جدا لانه مثكول فهو في المنفى ويتذكر ايام السجن وفي السجن يعيش على ذكريات البيت، فرغم رقته واحساسة المفرط لكنه لم يهزم او قلب هزيمته الى انتصار فرغم فشل محاولته الهروب من براثن الدكتاتور ودفع ثمن ذلك الاانه اعاد المحاولة ونجح فيها ووصل الى اقاصي النجاح في اقاصي العالم، فهنيئا للكاتب والشاعر والرسام Dr. Manhal Alnaib.

المهندس أمين أمين

الحمد لله الذي ابقاك حياً لتنقل للناس ماحدث لمن غابوا بصمت / مبارك هذا الجهد ولو انه جعلك تحيا تلك السنوات السوداء مرةً اخرى في الذاكره في حين يسعى الاخرين الى نسيانها / تجربة انسانيه رائعه تعاطفي وتقديري لك. 

المهندس تحرير هاشم الدبوني

غلاف الكتاب٢.png

 

"جاء نوفمبر وإختفى عُرس الألوان في الشجر، وصار الليل يُخيِّم في الثالثة والنصف بعد الظهر. أمّا الثلج فكان ينهمر بشراسة ليقتل الظلام فتصنع إلتماعاته دروباً من الفضّة نُميّز بها طُرقاتنا بين الشجر العاري نحو غرفنا الدافئة. في خِضَم هذا البرد والعُتمة أمست كريستينا شمعة تضيء لي عُتمة المكان وتجعل المستقبل أزهى وأجمل ... كانت أصابعها الحانية تتلمس الخدود الغائرة في ظهري وتتسائل عن ماهيّة أولئك البشر الذين ينحتون  خرائط القهر والعذاب على أجساد الرجال." 

"وحين دفعني إلى داخل الزنزانة بعد أن فكّ وثاقي ورفع العصابة عن عينيّ لم أصدّق ذلك المنظر! كانت الأجساد المُتفصدة عرقاً تقف عارية إلّا من السراويل الداخليّة تُبَحلِقُ بالقادم الجديد! رجال كانوا بأعمارٍ مُختلفة صارت تُحدّق فيّ وأنا منذهل من غرابة بل بشاعة الموقف."

 

"تكلمتُ عن مشاريعي في السويد التي لم تبدأ بعد .. تكلمتُ عن تلاقح  وتكامل الحضارات وحلم الإنتماء من جديد .. كنت كمن يهذي عندما ذكرتُ "الحوتة و أبوغريب" وإنتهاك إنسانيتنا اليومي وفي كل لحظة في سنوات البؤس والموت البطيء تلك .. وعندما ذكرتُ أمي وعائلتي هناك في الوطن المستباح إختنقتُ بعبراتي ولم أستطع الإستمرار."

 

"هل تعلمين كيف يمكن أن يعيش المرء مع ثلاثين فرداً في خمس أمتار مربعة ودرجة الحرارة تزيد عن الأربعين؟ وهناك متر سادس هو مرحاض فيه صنبور للماء لا يجري الماء فيه إلاّ لملء سطل صغير وحيد ولكن فقط عندما يسمح بذلك سجّانونا. كُنّا نشرب من ذاك السطل أيضاً .. كُنّا نتنفس هواءً مُشبّع بالعرق والبول والغائط وكان دبقاً وكأنّه هُلامٌ قابلٌ للتقطيع."

 

"كنتُ أنظر من شباك المُستشفى في سُندسفال والصورة الأخيرة لأبي الشاحب تتماشى مع التل الثلجي الذي يسد الأفق أمامي. هل نهرب من جلدنا لنتجنب ألألم .. أو الفقدان؟ هذا الهرب الدؤوب، هروبي الدائم للمُستقبل، هل كان بديلاً لمأساتي الطفولية؟"

 

"ما أجمل كردستان في شباط! وشقلاوة التي تتمدد على الغطاء الأبيض ورائحة حطبها المحروق في مواقد المنازل تُحيطني بأذرع حانية وتوقد فيّ الطمأنينة فيتراىء لي بيتنا في الموصل وفيه رائحة الشاي المُعّطَر الذي يتخدّر على مهل فوق مدفأة "علاء الدين".  إيهٍ ياشتاء الموصل وياشتاءات كردستان، هل من تلاقي؟"

 

"جاء أيّار وفي غفلة من الترقّب غطّى اللون الأخضر كل مساحة ممكنة في أوستربيبروك. صارت النسائم تهبُ باردة منعشة ونديّة إنَّما دون أن تُثير القشعريرة في أجسامنا المُتعطّشة للشمس. وشمس السويد بقدر ما كانت خجولة في الشتاء ووهجها كان بالكاد يُنير الدروب المُثقَلَة بالثلج بحيث أني كنتُ أحَدِّق بقرصها المُتوهّج دون أن تطرف عيني، غَدَت شمس أيّار أكثر جُرأة وذكّرتني بربيع الموصل في بدايته؛ يتفتّح القدّاح ناشراً طيبه الأخّاذ في كل مكان داعياً الطبيعة لإحتفال صاخب فتستجيب الطيور أولاً لتُلبي النداء بزقزقاتها المُدَويّة يتبعها الحلزونات البطيئة التي تفترش الممرات الإسمنتية في بيتنا القديم. أمّا أنا، فكنتُ أنتشي جذِلاً حينما أشّمُّ رائحة النرجس وقدّاح الليمون في مدخل البيت. وهُنا، تغَطَت مساحات الأرض بأديم أخضر يانع وألوان متنوعة لزهور شتّى إحتفلت بجنون بقدوم الربيع الذي طال إنتظاره. وفي خِضَّمِّ الإحتفالية الرعوية تلك، بدأنا نحن قاطنوا مُخيّم أوستربيبروك للاجئين بالإحتفال أيضاً والتمتع بشمس صارت أجمل وأكثر إثارة. لم يكن أجمل من أن نلعب كرة القدم على ذلك العُشب الأخضر الزاهي، ولَم أكن أعلم لحد تلك اللحظة مدى تنوّع قاطني المُخّيّم!"

 

"كانت شقلاوة بيتي في الشتاء. أزورها مع أخي الصغير و"أمين" صديق الدراسة والنضال وبعض الأصدقاء القلائل لننحت خطواتنا في ثلجها المُقيم ونُعلن إنتمائنا لإنسان لايُميز العِرق واللون والمنبت. كُنّا نغني"أي رقيب" معاً ونسكر معاً و نتجمد معاً تحت سماءها النقية."

"كان الطريق إلى ستوكهولم يبدو مُختلفاً، فأنا لم أعُد أنظر إلى داخلي وعيناي تحدقان في الفراغ، بل بدا وكأنني أرى الأشجار والسهوب والفيافي الخضراء لأول مرّة. كنتُ مندهشاً كصبيّ غِر في رحلته الأولى إلى مكان جديد. كان ثمّة فرح داخلي وطمأنينة إفتقدتها طوال سنوات طويلة من العيش على حّافّة جُرف مع خوف دائم من السقوط."

"كان حفيف الأشجار أشبه بالهمس، والنسيم العليل الذي كان يهب ويداعب شعري وينفخ فيّ جُرُعاتٍ من طاقة فيّاضة صارت تُحرّك فيّ رغبة بالقفز عالياً أو حتى الرقص لو أمكن. ما كان لي أن أتخيل أن يكون أولَ أيامي وأنا حُرٌ طليق جزأً من إحتفالية أوراق الشجرهذه. أحسستُ وكأن الطبيعة كانت تبارك لي حُريتي وتواسيني عن تلكمُ السنين الضائعات والتي قضيتها في مكعّبات إسمنتية قميئة بعيدة عن كل ما هو إنسانيّ عادل. صرتُ أصيخ السمع وكأنني أسمع الجداول البعيدة وماؤها ينسلُ برقة من عيون الجبال في حلبچة إلى أوديتها العميقة فيما تزقزق عصافير كثيرة وتتقافز فرحاً في نشوة الطبيعة في فصل إنبثاقها وألقها. كنتُ أشعر بالآف الحيوات تصطخب جذلى في هذا الربيع .. تتكاثر وتنمو غير آبهة بشيء سوى إشباع اللحظة المجنونة هذه بكل عنفوان وجمالية الحياة الماضية والمستمرة بلا كلل. وبشكل طبيعي حضرتني أصوات السمفونية الرعوية لبيتهوفن والتي كنتُ أسمعها بشغف في غابات الموصل في آذار ونيسان."

"بدأتْ ملامح بريجيتّا تظهر وكنتُ بصدد تضليل النظارات عندما سقطت قطرة مطر بحجم حبة العنب على الورقة السريعة العطب. نظرنا لبعض، وتركنا المصطبة ركضاً لإيجاد ما يحمينا من إنهمار المطر كسيل لايمكن صدّه. ركضتُ أتبعها حيث دخلت إحدى الكافيتريات التي إمتلأت بالذين تركوا أماكنهم بالشرفة بعدما إحتلّت الغيوم مساحة الضياء الخجول لشمس آب الناعسة."

"أن يعِش المرء على حافة الموت، بخوف دائم وتهديد لا مناص منه ولا مهرب فهو الجحيم بعينه. ومَنْ من العراقيين الشُرفاء لم يعِش هذا الكابوس الحيّ؟ كنتُ أتسائل في كل لحظة عن هذا الوضع وكيف سأنجو منه فكان البديل الوحيد المُتاح هو أن أعيش خارج هذا الزمن المُتخم بالحقد والكراهيّة وتوقّع الموت وذلك بالعيش في حُلم يقظة بعيداً عن هذا السجن الكبير."

 

"يوسف و دانيال وغيرهما كثير يمثّلون شريحةً من اللاجئين أو المهاجرين الذين ماتت وإنطفأت أحلامهم لأسباب مُتعددة، أو الذين فقدوا ماهيّتهم فأضاعوا الطريق نحو المُستقبل في بلد المهجر وقد سبق أن أضاعوا طريقهم في بلادهم الأم، فأمسَوا معلقين بين عالمين لا يستطيعان الإنتماء إلى أيٍ منهما. بيد أن مأسآتهم ظلّت متشابهة في ثقلها الإنساني سواء في المهجر والغربة أو حتى في أوطاننا الموجوعة والمفجوعة دوما. وإذ أرنو لنفسي فأتسائل أين فقدتك يا أحلامي المُداسة بالأقدام؟ ورغم أنّ كثيراً من أحلامي قد قُتلت في مهدها لكن بقيَ أمامي الكثير لتعلّمه ولأجد أحلاماً ستتحقق."

مقتطفات من الكتاب

bottom of page